سبتمبر 20، 2010

بؤس ١٢

و عاد..
و عدنا،
و عادت الحياة..

طلبني ذات يوم، وقال بكل رجاء، أنه يريدُ نسخة من مفتاحي..
استغربتُ طلبه، فرفضت، لإني إن قبلت، بعدها لن تكون لي خصوصية، و سأشعر بأني مقيّدة،
لكن في زاوية من ذهني، شعرت بأنه يريدُ أن يفاجئني ربما، ولكنني أؤمن بأن لا أحد يجيد مفاجأتي،

فسألته:
- أعطني سبباً!

قال:
- أريده!

فأعطيته إياه!

سبتمبر 17، 2010

بؤس ١١

[ لأننا عندما نتحمل أكثر مما هو خاطئ طويلاً ننفجر، ونؤذي ]

تعال يا صغيري،
تعال،
لم نعد نحمل مساحة لأحد، لم نعد مرنين كما كنا و قابلين للتحمل أكثر.
تعال يا صغيري،
سنختبئ،
سنختبئ حتى لا ننفجر..
فنؤذي،

تعال إليّ،

أنا لك و أنت لي ولا شريك لنا،
أحبّك.

سبتمبر 16، 2010

بؤس ١٠

و خرجتُ إليهم، دون أن أراجع خواطري، أو أتنفس بعمق، أو أهتم بمظهري حتى، خرجتُ إليهم كما أنا، كما أبدو من الداخل الذي لا يبدو من الخارج إلا معه.

طرقت الباب، و إذا به من يفتحه، وبدت على وجهه ملامح الذهول، وقف صامتاً ثم استدار و عاد إلى غرفته حالما لمحتني أمه أمام الباب.
أجلستني مجلساً حسناً و دخلتُ مباشرة إلى ما جئتُ لأجله، لأجل ذاك الصغير الذي ينصتُ إلي خلسة من وراء الباب، ..
لا أذكر أبداً ما قلت، أبداً أبداً، و لكنني أذكر أن قلبي من كان يتحدث، و أن صوتي بدا مختلفاً، و أن تعابيرهم بدأت تتغير، و فاجأتني أمه لما قالت:

- لم نفهم شيئاً، ماذا تقصدين؟!

فقلت:

- لماذا لم يعد ابنكم يزورني؟

ردّت:

- في الحقيقة.. شعرنا بأنه يُكثر من زياراته و يسبب لكِ الإزعاج، و انحرجنا من ذلك!

ثم قلت بعد وهلة بابتسامة خافتة:

- لا، دعوه يعود، أحبّ أن يزورني دائماً، ولا تقلقوا بشأني.. أنا لا أنزعج منه البتّة!

و سرت نحو الباب، قبل أن أدير المقبض.. التفتُّ له وهو خلف باب غرفته يختلس النظر، ابتسمتُ له .. كمن أزاح عن كاهله ثقلاً، أو استجاب لنداء ضميره و أراحه.. ثم خرجت!

كنتُ أشعر بأني أريد أن أستلقي على الأريكة بعدما أشرب كأساً من الماء البارد، كم بذل للتوّ جهداً عظيماً يحتاج للراحة،
و سمعتُ من خلفي وقع خطواتٍ سريعة، تركض، و عندما ألتّففت وجدته يحتضضني، يحتضن ساقاي بقوّة و هو يغمّض عينيه بقوّة.
فككته عني و ضممتهُ إليّ، و حملته إلى شقتي و أجلسته، كان يبكي وهو يقول: أنا أردت أن أجئ لكن أمي كانت تمنعني، و تقول بأنني أزعجكِ!

و كنتُ أبتسم له وهو يبكي، و أنظر إليه، و للوهلة الأولى، شعرت كم أحبّه، و كم كان شخصية مؤثرة في الشهور الأخيرة، شخصية لم يستطع أحدٌ أن يكونها أبداً!

ضممته و قبلته، و قلت له أن يهدأ، فبدأ يهدأ وهو يجفف دموعه داخلياً، و يهدأ أكثر، لحظة بعد لحظة..

و يغفو.. في أحضاني.

سبتمبر 14، 2010

موج ~

أسيرُ بمحاذاة الشاطئ، بخفة..
و بجسدٍ ثقيل، مُثقل بالأشياء، و الناس، و الضجيج..

لأنني عندما كنتُ أهتمُّ لك، أنت لم تكن تهتم لأحد.

سبتمبر 13، 2010

أبد يومي من المرآة، كأني أبدو أنا، و أنا أقف بلا مبالاة أمامها بغباء، أحدقّ في لا شيء، بدأً من العتمة الكثيفة التي تنفذ من تحت الأبواب، و من النوافذ و كل شيءٍ يتصل بالخارج، كدخان خانق،

هكذا أبدأ يومي، من ليلٍ إلى ليل، دون ضوء نهار، و لا لمح شفق.

مثل أعتاب الأمنيات، و روائحُ الأحلام النعسة التي تفوح مني.. دائماً.


ضجيج النهار، و الأشجار التي تهتز برشاقة على نغم النسيم، و الأخضر الذي ينبض بالحياة، و الضوء الذي يتغلل إلى كل شيء، و كل الأشياء التي تعجّ بالضوء.. و تمتلئُ به.


كلها نائمة، فيّ.


حتى بهجته حُزن، و حُزنه بهجة

كان دافئاً، لمّا لامستُ داخله بعينيّ، ويتّقد داخلياً كشعلةٍ من حياة.

مررتُ به جانباً ذات يوم، كان هادئاً منشّد/ مشرّد التركيز، بدا لي أنه يبحثُ في روحه عن سفينة غارقة، سرٍّ دفين، أو يعبثُ بأوراقه يفتّش عن حقيقة ما.

تنبّه لي، و أنا أتأمله و أغرق في لألأه عينيه، لم أتحرك، لكنه استدرك سكونه، فاتجه نحوي و قال ببهجة مفاجئة و ابتسامة عريضة لا يشبه من كنتُ أتأمل للتوّ!:
- مرحباً!


لا أعلم، لكنه يبدو حزيناً، و يتجلّى حُزنه في بهجته الدائمة، كأنه يهربُ من وجعٍ داخلي، أو يتأقلم معه، لأنه بالضبط.. لا وقت لديه.

سبتمبر 06، 2010

بؤس ٩

مرّت أيام، ألفتُ فيها وجود "كائنٍ" في محيطي، و كان حضوره دائماً ينقلني إلى طورٍ آخر من الحياة..
الطور الذي يجعلني أتحدث و أضحك و أبدي فيه ما أعتقد، يعني أن اتصل "اجتماعيا" ولو من خلال كائن واحد.

كثُرت زياراته، كنتُ في كل مرة يجيء فيها نقوم بعمل شيء ما، و كان يستمتع بذلك، فكان يكثر من زياراته.. لاتساع وقت الفراغ..

في إحدى المرات التي أنظف فيها المكان شئتُ أيضاً أن أحرك الأثاث، فهبّ لمساعدتي..
فتعب، و غفا..

حملته على كتفي، و طرقت باب منزلهم، فتحت والدته الباب..
كنتُ أنظر إليها بعنين منهكتين، و قلتُ لها: لقد غفا.. خذيه.

و كانت تنظر إليّ بنظراتٍ خجلة، متأسفة.. و هي تقول: يا إلهي!.. أنا آسفة جداً حتما أزعجكِ كثيراً!

ابتسمتُ لها ابتسامة خافتة.. و عدت.

في اليوم التالي، أو في الأسبوع التالي، لم يأتِ، و لم يطرق الباب و لم يتصل!
حتى إذا مرّوا خارجين.. لم أكن أسمع شيئاً..

كنتُ إذا رسمت، و أدرتُ الموسيقى، أسمع صوت ضحكاته، و لمّا ألتفت لا أجد أحداً،
و كنتُ إذا تابعت برامج التلفاز، كأني أسمعه يقلّد المذيعين و أسمع دعاباته التي دائما ما تجعلني أضحك!

لكني كنتُ أتوهم، كنتُ أفتقده بشدة، و أنا ما كنتُ الشخص الذي يفتقد أحداً، و لا يتعلق بأحد.


و كأنني أردته أن يجيء ولم أرده، كأني أردتُ الخلّو بنفسي قليلاً عنه، كأن غيابه كان في محله..
و كأنه أخذ حيّزاً عندي فلمّا غاب ترك لي فراغاً!

و لكني بقيت، بقيتُ أنتظر ابتسامته تفاجئني، و لكنه ما عاد.

لا!، بل عاد!
جاء في إحدى الليالي، يحمل صينية بسكويت، و كان قد أدنى نظره للأرض، و لم يرفع عينه حتى لاختلاس نظرة لشيء!

و قررتُ في تلك الليلة أن أذهب، و أعيد صوت ضحكته إلى المكان.

و انقطع!

انقطع الكهرباء صباح هذا اليوم، كُنت قبل أن ينقطع أشعر أخيراً برغبة النوم، شعور النعاس، الشعور الذي غاب عني أياما، بل أسابيع..

كنتُ أستمعُ لشيءٍ من الهدوء لمّا انقطع، و لم أبدِ أي تأثرٍ بذلك، غير أخي الذي هرع مُسرعاً ليكشف العطل، لكن عندما خرجتُ من غرفتي وجدته قد استلقى خيبة، و لم تجدِ محاولاته نفعاً في إعادة سيل الإلكترونات المشحونة إلى الأسلاك.

رأيته غارقاً في أفكاره، و لما رأني، التفت إليّ.. كأنه عاد من غمرة أفكاره المتتالية.
سألته: مالذي حدث؟
قال: يقولون سيعود بعد ساعة.

سكتّ، وعدتُ إلى غرفتي و خاطرٌ في ذهني يثرثر:
و ماذا لو انقطع، ألا ننامُ إلا بمكيّف؟ ، ألم يعش الناس قديما دون مكيف و كهرباء!
و ما حاجتي للكهرباء في مثل هذا الوقت؟ لا أريد إلا أن أنام وحسب.

فتحتُ الستار الذي يخبئُ النافذة وشرّعتُ النافذة التي تخبئ الطريق و تأملتُ الطريق الذي بدا كزهرةٍ تتفتح، الشمسُ لاتزالُ باردة و الهواء لم يدفأ بعد، و افترشت على السرير، أغمضت عينيّ، و بدأتُ أتقلّب، يميناً مرّة وشمالا..
الضوءُ الذي ينبعثُ من النافذة لا يتركني أنام، يريدني أن أنهض كما يفعلُ كلّ شيءٍ حيّ!
حتى إذا ما تعبتُّ اتقلّب و محاولة النوم نهضت.
نهضت، لأغسل قدميّ بماءٍ بارد، وكان خاطرٌ في ذهني يثرثر:
هل يوجدُ ماء؟!

استدركتُ خاطري بسرعة، فالماء لم ينقطع و إنما الكهرباء!

نزلت، و استلقيتُ على الأريكة، المكانُ هادئٌ جداً، و الأريكة باردة قليلاً، و بهدوءٍ غفوت.

الساعة 11:18

بعدُ لم أفتح عينيّ، أسمع أصوات أخوتي التي تعلو على صوت الهدوء، و أفيق و قد بات كل شيءٍ ضبابي، كأني للحلم أقرب، و أنزعج جداً و أصرخ، اسكتوا! دعوني أنام!
حتى لما هدؤوا، غفوت .. و لما علت أصواتهم مجددا أفقت!

و طفح الكيل!، عدتُ إلى غرفتي بعد نومٍ لذيذ، أزعج انسيابيته أصواتهم التي علت أثر الحرارة..
ألا يستطيعون أن يتكيّفوا؟! مثلي؟!

أسيرُ بعينان ربع مفتوحتان، أستبصر بهما الطريق، و أمنع الضوء من أن يسلب النوم منهما، و رميتُ بنفسي على السرير، متعبةٌ جداً، نعسةٌ جداً، و نصفُ نائمة.

غفوتُ قليلاً، حتى علا صوتُ المؤذن بالأذان..
اللــــــــــــــــــــــــــه أكبـــــــــــــر اللــــــــــــــــــــــــــــــه.. و إذا بالكهرباء تعود!
الكهرباء تعود!، و أسمعُ صوت أخوتي: هيييييييييييييييييييييييييييييييييييي و أتخيلهم يقفزون وأنا نصفُ نائمة!

أغلقُ النافذة، وأشغلّ المكيف!

سبتمبر 02، 2010

بؤس 8

لا أدري بعدها كيف أصبح يزورني كلُ يوم، بل في اليوم عدة مرات، لا بل أصبح يقضي معظم أوقاته معي!

ربما بعد اليوم الذي ضحك فيه معي، عندما دخل دون أي اختلاس نظر، ولا دعوة موسيقى، و دون أي مقدمات!
عندما دخل كما النسيم قاصداً، يتلعثم بابتسامة خفيّة، أمسك قلم السبورة، و رسم وجهاً مبتسماً قرب الوجه الذي رسمتُه!

مذ ذاك اليوم وهو يزورني هكذا، يعبرُ كما النسائم أحياناً و يذهب دون أن يترك أثراً إلا في قلبي، و بسمة خفيّة.. كبسمته.

بؤس 7

في اليوم التالي، فتحتُ الباب قليلاً، و نقلتُ مرسمي إلى حيثُ يمكن أن يراه إذا ما اختلس النظر مجدداً، أدرت بعض الموسيقى الهادئة، و أخرجت الألوان وبدأت أرسم بشهيّة كبيرة.

شعرتُ به بعد زمن، شعرتُ الباب ينفتح ببطء، كأنما صوتُ الموسيقى و جنونُ الفرشاة جاء به، تخيلّته يمسك الباب بيد ..و إصبع يده الأخرى في فمه. اقترب مني و غاب يتأمل الألوان التي تستبيح بياض الورق بعبثيّة، و انتبه لورقٍ مُلقى على الأرض بين قدميه، و العلبة المحشوّة بالألوان كأنما أُعدّت له، فراح يرسمُ معي دون أن يقول شيئاً..

غامرني شعورٌ عصيبٌ تناغم مع صوت الموسيقى التي بدت تتوجع في إحساسها الذي بدأ هادئاً، فقسوتُ على الفرشاة، و تطاير اللون على وجهي، فضحكت، نظرتُ إليه بعدما هدأت، نظر إلي بهدوء، ثم انفجر بالضحك ..

و عدنا للرسم!