سبتمبر 09، 2014

#خياط_العبي.

ذاك الذي سألته عن اسمه بداية الصيف، والذي قال لي بأنه مصطفى، فحييّته باسمه عندما دخلت. 
وجدتُ هناك امرأة ترتدي عباءة الكتف، وتتحدث بلهجة قروية رنانة. 
لا أعرف لماذا شعرت بالغرابة عندما سمعت النغمة القروية، وكان توقّعي بأن من ترتدي عباءة الكتف "متطورة" أكثر من الأخريات، أو ربما توقعتها أن تكون أكثرُ رقيّاً أو تهذّباً في لُغتها. لأنني بعد أن خرجت من المحل ظللت أفكر لم انصدمت أنا ذاتي من لهجتها تلك، رغم أني أعتقد بأن العباءة هي مجرد لِبس، وأن من تلبس الكتف لا يعني أنها "أفضل" بالضرورة.
ورغم هذا الاعتقاد والفكرة المنطقية التي أؤمن بها أظل أندهش من قروية لهجة المرأة ذات العباءة الكتف. وأظن أن سبب ذلك هو الإيحاءات اللا شعورية التي تقطن عقلي اللاواعي، رغم وجود الفكرة الواعية التي تنفيها منطقياً.

صديقٌ آخر عبّر لي بذات الفكرة، فهيئتي الإلكترونية أوحت له بأني أرتدي العباءة الكتف. لكنه عندما علم بأني أرتدي عباءة الرأس، أُصيب بالصدمة، وقال أن ذلك يدعوه للتحفظ معي أكثر، رغم أنه يؤمن بذات الفكرة المنطقية التي ذكرتها أعلاه.

هذان الموقفان لا يقودانني إلا للفكرة اللاشعورية المجتمعية الموجودة في أذهاننا بأن عباءة الكتف تمثل التطور، الثقافة والانفتاح، بينما عباءة الرأس تمثل التحفظ أو التديّن والإنغلاق دون الأخذ بالحسبان العقل الموجود داخل هذه العباءة. 

لكن، من جانبٍ آخر لا أنكر أن ظهور عباءة الكتف كان "تحديثا" لعباءة الرأس في فترة ما، وأظن أن أصحاب الثروة والتحرر هم من اعتنقوها أولا قبل الآخرين، لذلك نظن بأن من ترتديها تكون من تلك الطبقة من الناس. مع العلم بأن العائلات المتدينة تنتقدها وتدّعي بأنها تُفصّل الجسم ولذلك رفضَتها لفتياتها حتى انتشرت العباءة الكتف أكثر وأصبحت شائعة لدرجة أنها لم تعد شيئاً غريبا. لكن يظلّ المجتمع يحمل تلك الشحنة السالبة تجاهها وأعتقد بأن سبب ذلك هو الطريقة التي أصبحت ترتديها بعض الفتيات وهي على شكل ثوبٍ مزخرف ولافتٍ للنظر أكثر منه عباءة للستر، مما أثار تحفّظ أولئك المتدينين الذين يحملون حقدا للعباءة ومرتديها، غير مدركين أن الزمن يتغير وفي يومٍ ما سترتدي حفيدته العباءة رغماً عن أنفه. 

أمرٌ آخر وهو تحوّل ثقافتنا المجتمعية من ارتداء العباءة السوداء إلى المزخرفة إلى ذات الاستخدامات المتعددة، أي وجود عدة عباءات كل واحدةٍ تناسب المكان الذي ستزوره المرأة، فعباءة لمأتم عزاء تختلف عن عباءة حفلات الزفاف مثلا. مما يُغيّر الفكرة الأصلية عن العباءة السوداء الواحدة الاستخدام، إلى 
عباءات متعددة، تُعبّر عن المرأة التي ترتديها، وتمكّنها من عرض ذوقها عبر ما تختاره من زخارف. 
وهذه الأخيرة أصبحت الشائعة في أيامنا الحالية، إذ أن تغيُّر مفهوم العباءة لدى الفتيات كونها شيئا يعبّر عنهنّ أكثر من السابق كحقيبة اليد، ويرتدينها كالملابس ليظهروا بحلّةٍ لائقةٍ أكثر لكل مناسبة، غيّر نظرة المجتمع تجاهها وأصبح يصنّف النساء حسب عباءاتهن، رأس أم كتف، مزخرفة أم سادة، ملونة أو سوداء، مخصرة أم واسعة.

 هذا الانقسام الواضح في مفهوم العباءة ظاهرة طبيعية تظهر على جميع المجتمعات بأشكال مختلفة، فهو قد يعزوه البعض إلى الابتعاد عن تعاليم الدين وقد يكون صحيحا بعض الشيء، إذ أن العباءة لابد أن تكون واسعة وغير شفافة وغير مُلفتة أساسا. ولكن بغض النظر عن ذلك، فـالمجتمعات في تغيّرٍ مستمر فهو ليس ثابتا في أفكاره، وهذا التحول في مفهوم العباءة واستخدامها ماهو إلا نتيجة طبيعية لحركة المجتمعات الفكرية الغير ثابتة والوقوف ضد هذه الحركة الديمومية هو مثل حجرة تقف في وسط مجرى نهر

الموضوع له جانبٌ سكيولوجي أيضا، فقد ترتدي المرأة عباءةً ذات زخارف ملفتة فقط لتجذب لها الأنظار وتقول بلا كلمات لمن يراها بأنها فتاة جريئة وفاتنة، بحيث تقوم بالتعبير عن رغبتها في كونها كذلك عبر العباءة. وهذا النوع من الاستخدام هو ما سبب الضجة حول العباءة الكتف المزخرفة الجديدة. فالفتيات وخاصة المراهقات منهنّ يرغبن في لفت الانتباه بكل الطرق الممكنة، والمتحفّظين من الرجال والنساء كذلك، يزعجهم وجود هذه الرغبة في لفت الإنتباه والطريقة التي تتم فيها والتي برأيهم تشوّه صورة الدين والحجاب. 
 
ولكن في كل الأحوال، العباءة قد تعبّر عن المرأة وأفكارها وقد لا تُعبّر، ورغم أنها قد لا تُعبّر عن أي شيء، هذا اللاتعبير يُعبِّر بحدّ ذاته. ولا يجب أن نُطلق الحُكم على المرأة من عباءتها فـ"تطور العلم لا يعني تطوّر الأخلاق".