‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة لها تتمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة لها تتمة. إظهار كافة الرسائل

سبتمبر 02، 2010

بؤس 7

في اليوم التالي، فتحتُ الباب قليلاً، و نقلتُ مرسمي إلى حيثُ يمكن أن يراه إذا ما اختلس النظر مجدداً، أدرت بعض الموسيقى الهادئة، و أخرجت الألوان وبدأت أرسم بشهيّة كبيرة.

شعرتُ به بعد زمن، شعرتُ الباب ينفتح ببطء، كأنما صوتُ الموسيقى و جنونُ الفرشاة جاء به، تخيلّته يمسك الباب بيد ..و إصبع يده الأخرى في فمه. اقترب مني و غاب يتأمل الألوان التي تستبيح بياض الورق بعبثيّة، و انتبه لورقٍ مُلقى على الأرض بين قدميه، و العلبة المحشوّة بالألوان كأنما أُعدّت له، فراح يرسمُ معي دون أن يقول شيئاً..

غامرني شعورٌ عصيبٌ تناغم مع صوت الموسيقى التي بدت تتوجع في إحساسها الذي بدأ هادئاً، فقسوتُ على الفرشاة، و تطاير اللون على وجهي، فضحكت، نظرتُ إليه بعدما هدأت، نظر إلي بهدوء، ثم انفجر بالضحك ..

و عدنا للرسم!

أغسطس 30، 2010

بؤس 6

ابن جارنا الصغير ذو السبعة أعوام، أتذكر أول مرةٍ تقابلنا فيها، كنتُ قد انتقلتُ حديثاً إلى هذا المبنى، فتقابلنا في الممرّ بينما كنتُ أهمّ بالدخول إلى شقتي، و هم يعبرون إلى شقّتهم.

تعارفت مع والديه، وتقدّم ابنهما البكر فحيّاني بأدبٍ جمّ، بينما كان هو يختبئ خلف والدته ممسكاً بملابسها، أنحني له:
- و أنت، ما اسمك؟
و أزرع ابتسامة عريضة في وجهي، بينما خبأ وجهه أكثر،
واصلت:
-حسناً، اخبرني حين تريد، هذه شقتي، زرني في أي وقت، سأدعُ الباب مفتوحاً لك.. حسناً؟!
إلى اللقاء الآن..
أردفت أمّه:
- لا أظنّ أنكِ سترينه مجدداً إلا خلفي!
ابتسمت لهما، و أعطيته قطة سكاكر و دخلت شقتي ولم أنسَ أن أترك الباب موارباً.. كُلّ يوم!

-----

كنتُ أراه و عائلته عندما يعبر ببابي، يختلس النظر دائماً ليعرف ما بالداخل، و بعد أسبوع أو أكثر، عادوا ليلاً و أنا أقرأ..
كانت شقتي تبدو خالية، رأيته واقفاً خلف الباب، يختلس النظر كعادته و لكن بقربٍ أكثر، لمّا أيقن بخلّو المكان دخل بهدوءٍ مجرّداً من أي شيء يمكن أن يُمسِكَه ويختبئ خلفه عني!

لكنه رآني أقرأ وأنني لم أفعل شيئاً بشأنه، سوى أنني رفعتُ رأسي و رمقته بوجه باسم..
نقلتُ بصري نحو سبورةٍ معلّقة على الجدار كُتِب عليها "تَبَعْثُر"،
- هذا شعوري هذا اليوم، كلّ يومٍ أكتبُ شيئاً أعبّر به عن شعوري، و أنت أيضاً تستطيعُ أن تكتب ما تشاء.
اتممتُ كلامي هذا و عدتُ أقرأ دون أن أنتظر منه أية إجابات، و دون أن أغفل عن رصد تحركاته!

و ظلّ هو واقفاً دون حراك، يتأمل تلك السبورة، ثم انتبه إلى مرسمي فاتجه نحوه يتأمل اللوحات المركونة عليه و حوله،
شدّني تأمله إليها، كأنه يفهم ما أرسم، أو لعله يدركه على الأقل.

أغلقت الكتاب، و قلت:
- افعل ما شئت، المكان مكانك.

و نهضت إلى الثلاجة، أخرج علبة مثلجات، و بدأت أكل، أعطيته ملعقة فهمّ بالأكل معي.. ابتسمتُ له، فعاودني الإبتسام.

ثم نادته أمه.. و ذهب!

أغسطس 28، 2010

بؤس 4

أستفيق.. أعي، ثم أفتحُ عينيّ اللتان تنظران للنافذة دون وعي، و مرسمي الواقفُ أمامها، الغرفةُ مظلمة، لا ضوء سوى ضوء الشمس الخافت الذي يضفي شيئاً من الرتابة للمنظر، مرسمي المكسوّ بالظل و الهواء الذي يحرك الستار خلفه بهدوء.
أنظر للساعة، عقاربها التي تصّوبُ رؤسها للثالثة عصراً، أنا لم أنم غير ساعتين، أحتاجُ لأبدأ اللوحة كي أنهيها بنهاية الشهر، و إن تأخرت سوف.. يأكلون من سعرها!

لا يدركون أبداً معنى الفن، أننا نحنُ المُبدعون ننتظرُ إلهاماً ما، لا نرسمُ إلا حينما نُريد!
نهضتُ من على السرير، خلّلت أصابعي في شعري للخلف بانسيابيةٍ منتعشة و أمسكتهُ مرفوعاً بأقرب فرشاة ليديّ. أكرهُ العيش تحت الضغط، فهذه أنا أترك أشيائي مبعثرة على الأرض، الكتب، الأقلام، المسودات، خطوط الرسم، مخلفات عشاء البارحة، ألوان بكلات شعر.. من الفراش إلى الأريكة أفكر فقط ماذا أرسم لهم!

السؤال الذي يؤرقني عن النوم كل مرّةٍ يطلبون فيها لوحة!

و يستعصي عليّ الأمر، فلا أنتهي من اللوحة في الوقت المحدد، سأنظّم هيأتي و أخرج، علّني أرى ما يُدهش!
ألملم أشيائي و أخرج للطرقات، لا أعلم إلى أين، يكاد مصروفي ينفذ مع انحسار أيام الشهر، كأن الأيام لا تأكل القمر فقط.. بل مصروفي و أنا!

فمهنة رسّام، تتطلّبُ فكراً متفرغاً و أفكار متوالية، أحب الرسم لي. أظل أسير، و أقف على باب مقهى.. و أدخل، أطلب القهوة من على طاولة تطلّ على الشارع، و أكتب في دفتري الذي لا يفارقني:
- السماءُ موجوعةٌ بالغيم، و الأرضُ موجوعةٌ بالجفاء!

فتراءت لي اللوحةُ التي أنشد!

ديسمبر 24، 2009

طفولة مدرسية (8)

(8)

الصف الثالث الإبتدائي، انتقلنا فيه للطابق الثاني، و هذا أسعدني لأنني أصبحتُ بعمر عمتي العام الفائت و أصبحتُ أرتادُ الطابق الذي هي فيه. ما أثار استغرابي هو اختيار المعلمة لأكون رئيسة الصف، لأنني لم أكن أحمل صفات القيادة أصلاً، و لم أكن جريئة بما يكفي لأواجه الفتيات. بل لأنني لا أحبُّ التحكم في أحد!

و هم لا يسمعون عندما أريدهم أن يسمعوا!


كانتُ هنالك فتاة، أكثر الفتيات هدوءاً..
رأيتُ فيها ما يستحقُّ أن أبذل فيه جهداً..
كانت -ربّما- لا تفهم كما نفعل، و حتى اليوم لا أفهم ما كانت علّتها، فكنتُ أمسكها على جانب الحصّة و أعلمها.
أحببتُها..، لأنها كانت تبتسمُ لي، و تُصغي. كُنا نضحك معاً.

لكنّها اختفت، في العام الذي يليه و تركتني لوحدي.


طفولة مدرسيّة (7)

(7)

ذهبتُ للمقصفِ بعشرة ريالات، اشتريتُ بريالين، أعادت عليّ تسعة.
عدتُ في اليوم التالي أخبرها بأنها زادت.. فشكرتني و ابتسمتُ لنفسي.
في صباح اليوم الثالث، أخرجتني من الطابور،
- هكذا علينا أن نكون!

صَفَّـقُوا لي!

ديسمبر 23، 2009

طفولة مدرسيّة (6)

(6)

في الصف الثاني الإبتدائي، قررت جماعةٌ من الصف تشارك حصتها من الطعام في الفُسحة. دعتني الفتاة التي تجلسُ خلفي فلبيتُ دعوتها. أعطيتُهم نقودي ووصيّتُهم بما أشتهي، فطيرة زعتر و عصير. و رغم ذلك، رافقتهم للمقصف أتابعُ عملية الشراء، و أتأكد من أنهم اشتروا لي ما أريد.

وصلنا للمكان الذي سنأكل فيه، كُلّهم تحلّقوا و جلسوا، فرشوا الطعام على الأرض و بدؤوا بالأكل، و أنا لتوي أصل و أنا سعيدة بهذه الدعوة و روح الجماعة التي سأختبرها لأول مرّة.
وصلت، فقالوا لي:
- خذي فطيرتكِ و عصيركِ، لا يوجد لكِ مكانٌ شاغرٌ بيننا!
صَمتّ،.. أعطوني فطيرتي و عصيري، ..
قالت الفتاة التي دعتني و أنا في نصف التفاته:
- مسكينة، دعوها تأتي.
لم يلتفت إليّ أحد..  فذهبتْ.
ذهبتُ أكل بقايا فُسحتي الضيّقة.. الضيقة بمثل هؤلاء، ألوذُ بعمّتي التي -أقلّهُ- لا تمنعني من الجلوس قربها.
لأنه ببساطة،

.. لا يقبلني أحد.

ديسمبر 20، 2009

طفولة مدرسيّة (5)

(5)

كانت تجلسُ خلفي فتاة، في مثل عمري..
في حصّة الفنية، تنظرُ لكرّاستي و ترسمُ خطوطاً مثل خطوطي، و تستخدم الألوان التي أستخدمها..
-زهراء، أريني كرّاستكِ أريدُ أن أرسم مثلكِ.
أريها و أنا لا أريدُ أن أريها!
أنا لا أقبل تقليدها إياي!

طفولة مدرسيّة (4)

(4)

جدول الضرب في الصف الثاني هو من ضمن المنهج الدراسي، أخبروني بأنه سهل.. الناتج هو نفس العدد دائماً!
صدّقتُهم، لأنني مذ رأيتُ الأرقام المزدحمة في كُلِّ سطر، تشابكت الأعداد و استصعبتُ الأمر.
في الحصّة، رأيتُ الفتيات يرددن نواتج غير الأعددد المضروبة!
و يحسبن على أيديهنّ، ففهمتُ أنه لا بأس بفعل ذلك!
عندما جاء دوري وقفتُ أعدُّ على أصابعي.. واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة...

لكن..، لم أُصِبْ في أيِّ واحدة.

طفولة مدرسيّة (3)

(3)

مرّة من المرّات، شرد بي ذهني بعيداً، فلم اسمع ما يجب علينا كتابته. فتحتُ صفحةً غير التي يجب علينا فتحُها. عندما سلّمتُها الدفتر، قالت لي: هذا مو الدرس!، ما تطلعي من المدرسة إلا وانتين مخلصة!

أقول، تغبّنت و عدتُ إلى مقعدي، فتحتُ صفحة الدرس و بدأتُ أكتب، رنّ الجرس..
خرجوا..، و أنا لازلتُ أكتب، القلمُ في يدي يوجعني من الكتابة.
تمرّ الفتياتُ على الفصل، خلا الفصلُ إلا بي، لا أحد سواي منكّسٌ رأسه.. يكتب.


طفولة مدرسيّة (2)

(2)

في الصف الثاني الإبتدائي، كنتُ أيضاً في موخرة الفصل، أجلس بجنب تلك الفتاة الصغيرة. كنتُ بطيئة في الكتابة.. جداً.

أتذكر ذاك اليوم الذي تسابقتُ و زميلتي على كتابة الدرس، فانتهيتُ قبل كُلِّ الفصل، قالت لي المعلمة حينما سلّمتها الدفتر: زهراء!، غريبة ويش صاير اليوم، كل يوم أخر وحدة!
فرحتُ كثيراً، و كنتُ فخورة، عدتُ للمنزل و ابتسامتي تشقُّ ثغري بهجة.




طفولة مدرسيّة (1)

(1)

استحضرتُني اليوم في طفولتي المدرسية، استحضرتُ شعور عدم الإنتماء، الضياع.. كم كنتُ كثيرة الشرود، أجلسُ قرب عمتي في الفُسحةِ لأنها الفردُ الوحيدُ الذي أعرف من بين كُلِّ تلك الملامح. كأنني أستشعرُ الأمان قُربها، و مع جلوسي قربها أكونُ وحيدة.

أتذكر اليوم الأول.. كعادتي عائدة من سفر. أوصلتني أمي للصف، الصف الأول الإبتدائي، و اجلستني المعلمة في المؤخرة بحكم أنّه المكان الوحيد الشاغر، و بحكم أنني الأطول!
، كانوا قد بدؤوا الدراسة و كانت الحصة حصّة قراءة.. حرف الهاء.



نوفمبر 20، 2009

بؤس (2)

أفكرُ في الخروج، الخروج للمتجر، لا يمكنني الصمود بلا طعام ليومٍ آخر أنا مُتعبة.. جدّاً، سوف أرتدي معطفي الأسود الخشن ووشاحيَ الرمادي الذي أصررتُ على شرائه هديّة لنفسي في يوم ميلادي الفائت، شاحبُ اللون كوجهي الأصفر. سأسدلُ شعري و أفردُ الخصلات العريضة الطويلة على وجهي و ألبسُ حذائي المعتاد، أريدُني أن أعكس منظري الداخلي إلى الخارج.

نوفمبر 18، 2009

بؤس


لم أخرج منذ 4 أيام، أنظر إلى نفسي في المرآة و سط العتمة، قد شحُب وجهي، تكوّنت هالاتٌ سوداء تحت عينيّ
كالتي أراها تماماً عندما أقفُ بعد جلوس، أمررُ أصابعي على شعري المتجعّد الفاحم، أتحسسُ العظم البارز في رقبتي،
أستدير للجانب الأيمن أتحسسُ أضلاعي البارزة و تقلّص معدتي للداخل.
من قال إنني سمينة؟
أتساءل: لِم أفعلُ هذا بي؟ ، و أجيب عليّ:
أعاقب نفسي، أؤذيها، أحبُّ أن أفعل ذلك، و رغبة في لفت الإنتباه.

لازال النهارُ في أوّله، و الثلاجةُ فارغة، نفذ الطعام منذ يومين.. و أنا أرفضُ الخروج لشراء حاجياتي. أرفضُ رؤية الناس، و الضحكات، و الغيم و الثلج.
في هذه الأيام الأربعة التي لم أخرج فيها، كنتُ أنام و أكل و أتأملُّ السقف، فقط..
و لم أسمع صوت جرس الهاتف أو الباب، لأنني أعيش لوحدي، و أتلذذُ بذلك.
أسيرُ نحو الأريكة.. أسمعُ صوت حركةٍ خلف الباب، رسالةٌ تسقط على الأرض!

أنزلُ إليها و أفتحها و أفاجأُ بها فاتورةُ الكهرباء، لوهلةٍ خلتُ أنني سأجدُ من يطمئنُ عليّ.
أقفُ مُجدداً، أشعرُ بدوار فأسقط.