مارس 07، 2010

فنجانُ شاي

 

الكوابيسُ و الأحلامُ و الرؤى تطاردها كُلّ غفوة، إنها كوابيسُ و أحلامٌ و رؤى عجزت عن تفسيرها. لكم تشعرُ بالقلق إزاء ما يحلّق في ذهنها آناء النوم.

إن حركة الهواء غيرُ طبيعية، ها هي الرياحُ تشتدُ كلّ ساعة، تحمل معها الغبار، و كوابيسها علامة على ما هو آت، عليها أن تعرف ماذا سيحصل.


قلبها يسارعُ في الخفقان مذ زارتها تلك الأحلامُ أول مرة، جسدها في ارتعاشٍ مستمر، تشعرُ بألم عميقٍ في أوصال يديها، تؤلمها بشدّة، تريدُ أن تستريح، لم يعد الأمرُ لذيذاً كما كان، إنه أمر مهم فعلاً هذه المرّة، إنه شيءٌ كبير..

في حالةٍ من الهذيان المؤرق للذهن، تعد فنجان شايٍ متّزن الطعم يأوي شرودها المطّرد نحو الغيب، علّه يبعدُ عنها قلقها الذي غيّب السبات عن ذهنها و جفنيها رغم التعب الذي يجتاحُ جسدها، تقلّب السكر ذات اليمين و ذات الشمال على غير هُدى، فكلّه سكر، و فيه الطعم عينه، لكن شرودها يفعلُ بها ذلك. تسكبهُ في الفنجان الذي سوف يريها ما عجزت عن استبصاره.

تغلي الماء، و ما إن يفور حتى يحكي قصص شعوبٍ لم يسكتوا للظلم، يحكي الثورات و الكوارث، و ألم العطش، الموت و الحياة..،
وتعودُ إلى واقعها مع ثورة الماءِ من القدر، لكأنه يرفضُ أن يُحتوى، كأنه يريدُ أن يتّسع إلى خارج الإناء.


تسكبهُ في الفنجان، مع وريقات الشاي المنكمشة، لكأنها تتعطش للماء كي تتمد و تعطي فمها المذاق الذي سيعيدُ إليها رؤيتها و النوم!


تذيب السُكّر في الماء، تثيرُ الشاي في حلقاتِ سريعةٍ متكررة..
فتغرقُ عيناها..
تغرق في دوامة الشاي،
إنها ترى..
ترى بروقٌ و رعودٌ و دواماتٌ و غضبٌ و أمواجٌ و رياحٌ عاتية و رمالٌ و غيومٌ و ..
و ترى..
أن الأرض.. ستُعشبُ من جديد
.
.


تركت فنجان الشاي، و خلدت للنوم

يناير 11، 2010

|كرمــــــاً|

مما كان في غابر الأزمنة، من عناء السفر في الصحراء التي تصقل روح الإنسان في مقاومته لبلائها و قهره لامتدادها اللا متناهي، و من شحّ الأرض عن الجود بالماء إلا قليلاً، و من قلّة الزاد و الأصحاب، و صعوبة الانتقال.

كان هنالك رجلٌ يختصر الصحراء على قدميه، قد نفذ زاده منذ أيامٍ ثلاث فعصّب بطنه ليحبس عصافيرها عن ذكره بجوعه. في بُعدٍ ما من هذه الصحراء تُقاطع في الطريق مسيرهُ، يعيشُ رجلٌ بدويّ فقير الحال، ذا زوجة و أطفال. فبينما صاحُبنا يسير دنوّا من الرجل البدويّ و قد أعيتُه المسافة و منعت عنهُ الشمسُ الرؤية الجليّة بعدما لملمت بقايا ضوئها، قد بدا للرجل البدويّ شبحاً يتقنّعُ بالظلام ففزع له و قام لعلهُ ذئبٌ يبتغي لحماً يحشو به بطنه، لكنه بعد وهلةٍ تبيّن أنه ضيفٌ لا حول له و لا قوّة، مُرهقُ الملامح ،عاصب البطن جوعاً، فتبادر الهمّ إلى قلبه و حاول إخفاء وجهه عنه لأنه عاجزٌ عن إكرام هذا الرجل إذا نزل ضيفاً كما يجب، فلا طعامٌ يُشبع به جوع أطفاله و زوجته فكيف برجلٍ غريب.

بانت حيرته و همّه أمام أطفاله الذين لا يقدرون على حُزن والدهم، صبروا للجوع إذعاناً للقدر، و لكن.. من يطعم هذا الضيف الذي حلّ عليهم فجأة في الصحراء التي تخلو من البهائم فكيف بالليل الذي تنام فيه المخلوقات؟!!، ثم إن إكرام الضيف خُلقٌ للعرب أصيل. تقدّم الابن يطلب من والده ذبحه-كرماً-، يريدُ أن ينـزع همّ أبيه و لئلا يُحرجَ أمام ضيفه، علّ هذا الضيف يظنُّ بأنهم ذووا خيرٍ و لكن يبخلون ببعضٍ فيذمّهم ذماً لا يُحمدون عقبه فليسوا هم بلئيمي الأصل. تحيّر الأب أكثر، أيذبح ابنه و يكرم ضيفه أو يترك الضيف دون إكرام؟

توقفّ برهة، و دعا ربّه بأن لا يترك هذا الضيف دون طعام في هذا اليوم الذي لا طعام لهم فيه. فبينما هو يدعو ربّه أبصر على المدى قطيعاً من حمر الوحش عطشى تبتغي الماء، و قد تقدّم أسمنُهم للماء يروي ظمأه. تسلل البدويُّ بينها على أنه منها يريدُ ذبحها، فلّما تروّت وضع السهم في كبد القوس و أطلقه فأصابتها، فخرّت بدمّها مذبوحةً من الوريد إلى الوريد، و قد حظي بنعمٍ فتيٍّ كثير اللحم استجابة من الله لدعائه، أكرم به ضيفاً و أطفأ به جوع عياله و سدّ به فراغ البطن لزمنٍ من إقبال هذا الضيف، ذاك الذي حظي بضيافةِ رجلٍ كريم الأصل لا يمتزجُ معه اللؤم كما الماء والزيت و الذي من فرط كرمه تقدّم ابنه ليضحي بنفسه لأجله.



قصيدة الحطيئة- وطاوي ثلاث




ديسمبر 24، 2009

طفولة مدرسية (8)

(8)

الصف الثالث الإبتدائي، انتقلنا فيه للطابق الثاني، و هذا أسعدني لأنني أصبحتُ بعمر عمتي العام الفائت و أصبحتُ أرتادُ الطابق الذي هي فيه. ما أثار استغرابي هو اختيار المعلمة لأكون رئيسة الصف، لأنني لم أكن أحمل صفات القيادة أصلاً، و لم أكن جريئة بما يكفي لأواجه الفتيات. بل لأنني لا أحبُّ التحكم في أحد!

و هم لا يسمعون عندما أريدهم أن يسمعوا!


كانتُ هنالك فتاة، أكثر الفتيات هدوءاً..
رأيتُ فيها ما يستحقُّ أن أبذل فيه جهداً..
كانت -ربّما- لا تفهم كما نفعل، و حتى اليوم لا أفهم ما كانت علّتها، فكنتُ أمسكها على جانب الحصّة و أعلمها.
أحببتُها..، لأنها كانت تبتسمُ لي، و تُصغي. كُنا نضحك معاً.

لكنّها اختفت، في العام الذي يليه و تركتني لوحدي.


طفولة مدرسيّة (7)

(7)

ذهبتُ للمقصفِ بعشرة ريالات، اشتريتُ بريالين، أعادت عليّ تسعة.
عدتُ في اليوم التالي أخبرها بأنها زادت.. فشكرتني و ابتسمتُ لنفسي.
في صباح اليوم الثالث، أخرجتني من الطابور،
- هكذا علينا أن نكون!

صَفَّـقُوا لي!

ديسمبر 23، 2009

طفولة مدرسيّة (6)

(6)

في الصف الثاني الإبتدائي، قررت جماعةٌ من الصف تشارك حصتها من الطعام في الفُسحة. دعتني الفتاة التي تجلسُ خلفي فلبيتُ دعوتها. أعطيتُهم نقودي ووصيّتُهم بما أشتهي، فطيرة زعتر و عصير. و رغم ذلك، رافقتهم للمقصف أتابعُ عملية الشراء، و أتأكد من أنهم اشتروا لي ما أريد.

وصلنا للمكان الذي سنأكل فيه، كُلّهم تحلّقوا و جلسوا، فرشوا الطعام على الأرض و بدؤوا بالأكل، و أنا لتوي أصل و أنا سعيدة بهذه الدعوة و روح الجماعة التي سأختبرها لأول مرّة.
وصلت، فقالوا لي:
- خذي فطيرتكِ و عصيركِ، لا يوجد لكِ مكانٌ شاغرٌ بيننا!
صَمتّ،.. أعطوني فطيرتي و عصيري، ..
قالت الفتاة التي دعتني و أنا في نصف التفاته:
- مسكينة، دعوها تأتي.
لم يلتفت إليّ أحد..  فذهبتْ.
ذهبتُ أكل بقايا فُسحتي الضيّقة.. الضيقة بمثل هؤلاء، ألوذُ بعمّتي التي -أقلّهُ- لا تمنعني من الجلوس قربها.
لأنه ببساطة،

.. لا يقبلني أحد.

ديسمبر 20، 2009

طفولة مدرسيّة (5)

(5)

كانت تجلسُ خلفي فتاة، في مثل عمري..
في حصّة الفنية، تنظرُ لكرّاستي و ترسمُ خطوطاً مثل خطوطي، و تستخدم الألوان التي أستخدمها..
-زهراء، أريني كرّاستكِ أريدُ أن أرسم مثلكِ.
أريها و أنا لا أريدُ أن أريها!
أنا لا أقبل تقليدها إياي!

طفولة مدرسيّة (4)

(4)

جدول الضرب في الصف الثاني هو من ضمن المنهج الدراسي، أخبروني بأنه سهل.. الناتج هو نفس العدد دائماً!
صدّقتُهم، لأنني مذ رأيتُ الأرقام المزدحمة في كُلِّ سطر، تشابكت الأعداد و استصعبتُ الأمر.
في الحصّة، رأيتُ الفتيات يرددن نواتج غير الأعددد المضروبة!
و يحسبن على أيديهنّ، ففهمتُ أنه لا بأس بفعل ذلك!
عندما جاء دوري وقفتُ أعدُّ على أصابعي.. واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة...

لكن..، لم أُصِبْ في أيِّ واحدة.

طفولة مدرسيّة (3)

(3)

مرّة من المرّات، شرد بي ذهني بعيداً، فلم اسمع ما يجب علينا كتابته. فتحتُ صفحةً غير التي يجب علينا فتحُها. عندما سلّمتُها الدفتر، قالت لي: هذا مو الدرس!، ما تطلعي من المدرسة إلا وانتين مخلصة!

أقول، تغبّنت و عدتُ إلى مقعدي، فتحتُ صفحة الدرس و بدأتُ أكتب، رنّ الجرس..
خرجوا..، و أنا لازلتُ أكتب، القلمُ في يدي يوجعني من الكتابة.
تمرّ الفتياتُ على الفصل، خلا الفصلُ إلا بي، لا أحد سواي منكّسٌ رأسه.. يكتب.


طفولة مدرسيّة (2)

(2)

في الصف الثاني الإبتدائي، كنتُ أيضاً في موخرة الفصل، أجلس بجنب تلك الفتاة الصغيرة. كنتُ بطيئة في الكتابة.. جداً.

أتذكر ذاك اليوم الذي تسابقتُ و زميلتي على كتابة الدرس، فانتهيتُ قبل كُلِّ الفصل، قالت لي المعلمة حينما سلّمتها الدفتر: زهراء!، غريبة ويش صاير اليوم، كل يوم أخر وحدة!
فرحتُ كثيراً، و كنتُ فخورة، عدتُ للمنزل و ابتسامتي تشقُّ ثغري بهجة.




طفولة مدرسيّة (1)

(1)

استحضرتُني اليوم في طفولتي المدرسية، استحضرتُ شعور عدم الإنتماء، الضياع.. كم كنتُ كثيرة الشرود، أجلسُ قرب عمتي في الفُسحةِ لأنها الفردُ الوحيدُ الذي أعرف من بين كُلِّ تلك الملامح. كأنني أستشعرُ الأمان قُربها، و مع جلوسي قربها أكونُ وحيدة.

أتذكر اليوم الأول.. كعادتي عائدة من سفر. أوصلتني أمي للصف، الصف الأول الإبتدائي، و اجلستني المعلمة في المؤخرة بحكم أنّه المكان الوحيد الشاغر، و بحكم أنني الأطول!
، كانوا قد بدؤوا الدراسة و كانت الحصة حصّة قراءة.. حرف الهاء.



ديسمبر 08، 2009

أحمر


برق!
رعد!
هطل المطر!

و أنا أنظرُ من خِلال النافذة أثناء الدرس، لعليّ أحظى بكوّةٍ في السماء تبعثُ لي الشمسُ من خلالها ضوءاً يتصلُ بداخلي فيُصيّرُه ربيعاً، علّ تلك الحزمة الضوئية الصعبة ترسمُ على شفتيّ ابتسامة بسيطة تغيّرُ الوجه الذي يسكنني، تبعثُ فيه الحياة و الأمل.
أضعُ حول عنقي وشاحاً أحمراً كالدمّ، لأشتهي هذا اللون كثيراً هذا الشهر، أجدُ فيه الدهشة التي تثيرُ الهدوء الصاخب الذي يكتنزُه صدري، يتركزّ الضوءُ في عينيّ كُلّما رأيتهُ، أراهُ يُشعّ دفئاً و حناناً أنا بحاجةٍ إليه، خاصّة عندما تبعثُ إليه الشمس شيئاً من ضوئها المحموم.
لكأن دفئها مع شُعاع الأحمر يملأ ذاك النقص، تلك الحاجة، لكأننا.. نبحثُ عمّا يملأ المساحات التي لم يملأها البشر أو لم يُكترث لها، فنبحثُ نحن عمّا يملأ ذلك الفراغ في ما لا شعور فيه، فنعطيه الشعور، نعطيه الحكاية، الذكرى، و نعطيه الحيَاة..


20/12/1430
7:14

ديسمبر 07، 2009

تكاثفُ صَمتْ

تكاثف الغيمْ، و حُبست الشمس، فهطل المطر..
أشقُّ طريقيَ بين بركِ الماء، بين حسابات الماضي و الحاضر
أتعلّمُ فلسفة الأشياء، أناغي جمالها المُستمرّ
في كلُّ يومٍ أقف على عتبة الشريان الأكبر..
الذي تأخذني نهايتُهُ للبيت.
أراقبُ سيرها.. الأقلّ من المهل
بحُزن، و حُزنُها الـ يُخرسُ الأشياء
مع عباءتها المنسدلة بلُطف،
لا يعلمُ الطريقُ من يحمل، لأنه لو يعلم لسوف أطال نفسه
لكي تسير عليه طويلاً، لكي يحتضنها و حسب.
وعندما تغيب، أغيبُ أنا..
و أبكي، لأنني خذلتُ جمالها، وخذلتُ انتظارها
و خذلتُ نفسي.
أسيرُ مع الدمع الذي لا يُميّزُ مع قطرات المطر
غير طعمهِ المالح، الذي يكسرُ حلاوة الأشياء
أبتلعهُ، لأنّ تذوّقهُ يُحدِثُ تضارُباً مع طعم فميَ المُرّ..
فأنا.. لم أسْتل لنفسي قضمةً أطفئُ بها جوعي
بل بقيتُ أدورُ لعلّ جسدي يتوقفْ عن الرجف،
و قلبي عن الخفق بسرعة، و أغيضُ الدمع عن وجنتي.
أظلُّ أحاولُ تضميدَ عينيّ عن النزف،
و يبتلعني مع الدمعِ الطريق..

.
.


ديسمبر 06، 2009

نداء

قلبي!
ما بك؟
ماذا يُهيجك؟
اتئد، أنا لا أعي شيئاً مما تقول..
لماذا السابعة و النصف؟
هل أصاب من أحبهم مكروه؟
قلبي، هدئ من روعك و اخبرني
أخبرني لعلي أريحك..
يا قلبي

ديسمبر 02، 2009