أغسطس 30، 2010

بؤس 6

ابن جارنا الصغير ذو السبعة أعوام، أتذكر أول مرةٍ تقابلنا فيها، كنتُ قد انتقلتُ حديثاً إلى هذا المبنى، فتقابلنا في الممرّ بينما كنتُ أهمّ بالدخول إلى شقتي، و هم يعبرون إلى شقّتهم.

تعارفت مع والديه، وتقدّم ابنهما البكر فحيّاني بأدبٍ جمّ، بينما كان هو يختبئ خلف والدته ممسكاً بملابسها، أنحني له:
- و أنت، ما اسمك؟
و أزرع ابتسامة عريضة في وجهي، بينما خبأ وجهه أكثر،
واصلت:
-حسناً، اخبرني حين تريد، هذه شقتي، زرني في أي وقت، سأدعُ الباب مفتوحاً لك.. حسناً؟!
إلى اللقاء الآن..
أردفت أمّه:
- لا أظنّ أنكِ سترينه مجدداً إلا خلفي!
ابتسمت لهما، و أعطيته قطة سكاكر و دخلت شقتي ولم أنسَ أن أترك الباب موارباً.. كُلّ يوم!

-----

كنتُ أراه و عائلته عندما يعبر ببابي، يختلس النظر دائماً ليعرف ما بالداخل، و بعد أسبوع أو أكثر، عادوا ليلاً و أنا أقرأ..
كانت شقتي تبدو خالية، رأيته واقفاً خلف الباب، يختلس النظر كعادته و لكن بقربٍ أكثر، لمّا أيقن بخلّو المكان دخل بهدوءٍ مجرّداً من أي شيء يمكن أن يُمسِكَه ويختبئ خلفه عني!

لكنه رآني أقرأ وأنني لم أفعل شيئاً بشأنه، سوى أنني رفعتُ رأسي و رمقته بوجه باسم..
نقلتُ بصري نحو سبورةٍ معلّقة على الجدار كُتِب عليها "تَبَعْثُر"،
- هذا شعوري هذا اليوم، كلّ يومٍ أكتبُ شيئاً أعبّر به عن شعوري، و أنت أيضاً تستطيعُ أن تكتب ما تشاء.
اتممتُ كلامي هذا و عدتُ أقرأ دون أن أنتظر منه أية إجابات، و دون أن أغفل عن رصد تحركاته!

و ظلّ هو واقفاً دون حراك، يتأمل تلك السبورة، ثم انتبه إلى مرسمي فاتجه نحوه يتأمل اللوحات المركونة عليه و حوله،
شدّني تأمله إليها، كأنه يفهم ما أرسم، أو لعله يدركه على الأقل.

أغلقت الكتاب، و قلت:
- افعل ما شئت، المكان مكانك.

و نهضت إلى الثلاجة، أخرج علبة مثلجات، و بدأت أكل، أعطيته ملعقة فهمّ بالأكل معي.. ابتسمتُ له، فعاودني الإبتسام.

ثم نادته أمه.. و ذهب!

أغسطس 28، 2010

بؤس 5

أفيقُ من نومي الذي طال يوم عناداً، فتأخرتُ عن طقوسي الصباحيّة،
{ شرب الشاي، متابعة الصحف، رسم بعض الخطوط بأقلام الرصاص، تأمل الشارع خلال النافذة..}

و تأخر الوقت، ولا أشتهي فعل هذه الأشياء إلا في ساعات الصباح الأولى، ماذا أفعلُ في صباح يومٍ متأخر من أول يوم نهاية أسبوع؟!
ماذا يفعلُ الناس؟!

مذ حلّ الشتاء، و أنا أكل قليلاً، أشربُ قليلاً، أتحرك ببطء.. و كنتيجةٍ ينحلُ جسدي كثيراً، و أشعر بالبرد طوال الوقت، فأبقى أمام المدفأة.. و أتمنى من يحتضنني من الخلف و أنا في هذا المكان المقفر من أحد.

بؤس 4

أستفيق.. أعي، ثم أفتحُ عينيّ اللتان تنظران للنافذة دون وعي، و مرسمي الواقفُ أمامها، الغرفةُ مظلمة، لا ضوء سوى ضوء الشمس الخافت الذي يضفي شيئاً من الرتابة للمنظر، مرسمي المكسوّ بالظل و الهواء الذي يحرك الستار خلفه بهدوء.
أنظر للساعة، عقاربها التي تصّوبُ رؤسها للثالثة عصراً، أنا لم أنم غير ساعتين، أحتاجُ لأبدأ اللوحة كي أنهيها بنهاية الشهر، و إن تأخرت سوف.. يأكلون من سعرها!

لا يدركون أبداً معنى الفن، أننا نحنُ المُبدعون ننتظرُ إلهاماً ما، لا نرسمُ إلا حينما نُريد!
نهضتُ من على السرير، خلّلت أصابعي في شعري للخلف بانسيابيةٍ منتعشة و أمسكتهُ مرفوعاً بأقرب فرشاة ليديّ. أكرهُ العيش تحت الضغط، فهذه أنا أترك أشيائي مبعثرة على الأرض، الكتب، الأقلام، المسودات، خطوط الرسم، مخلفات عشاء البارحة، ألوان بكلات شعر.. من الفراش إلى الأريكة أفكر فقط ماذا أرسم لهم!

السؤال الذي يؤرقني عن النوم كل مرّةٍ يطلبون فيها لوحة!

و يستعصي عليّ الأمر، فلا أنتهي من اللوحة في الوقت المحدد، سأنظّم هيأتي و أخرج، علّني أرى ما يُدهش!
ألملم أشيائي و أخرج للطرقات، لا أعلم إلى أين، يكاد مصروفي ينفذ مع انحسار أيام الشهر، كأن الأيام لا تأكل القمر فقط.. بل مصروفي و أنا!

فمهنة رسّام، تتطلّبُ فكراً متفرغاً و أفكار متوالية، أحب الرسم لي. أظل أسير، و أقف على باب مقهى.. و أدخل، أطلب القهوة من على طاولة تطلّ على الشارع، و أكتب في دفتري الذي لا يفارقني:
- السماءُ موجوعةٌ بالغيم، و الأرضُ موجوعةٌ بالجفاء!

فتراءت لي اللوحةُ التي أنشد!

بؤس 3

18-11-2009 / 29-11-1430

اليوم، أرغب في التنزه في الحديقة و قراءة كتابٍ ما..
حملتُ معي بعض البسكويت و الشاي و غطاء، أريدُ أن أغرق جدياً في هذا الكتاب. جلستُ على الكرسي، أشعر بعدم الارتياح فيه، إنه بارد، و مُثلج.. ولا يسعني احتضان الكتاب أو أخذ الكرسي لي وحدي!
سأغيّر من جلستي، امم.. سأستند إلى شجرة!

و أثني ركباتي إليّ و أقرأ كتابي و أنا ألتهم البسكويت و أرشف الشاي. فصل.. فصلان، ساعة.. ساعتان و أنا لازلتُ أقرأ و يشتدّ البرد!
يغالبني النعاس، فأخبئ يديّ تحت الغطاء و أحتضن الكتاب و أغفو مدركة بأنه لا مانع من ذلك، فلن يكترث لي أحد.

أفقتُ على صوت طفلٍ يمدُّ يده إليّ، فيها قطعة نقود،

.. فأبكي!