فبراير 13، 2014

رايلي

منذ فترة ليست بالبعيدة، تعرّفت على رايلي. رايلي هذا هو رجلٌ كبيرٌ في السن. التقيته في إحدى الأيام في كافيتيريا المكتبة. كنتُ أقرأ اعلانات الجامعة، أبحث عن شيء يثير دهشتي وفضولي، وكنتُ أرتدي حجاباً ملوناً مطبوعاً عليه علامة السلام مكررة. كان رايلي يجلس على كرسي قريب من لوحة الإعلانات وكان ينظر إلي، وكنتُ قد انتبهتُ إلى ذلك..
بعد بضع دقائق قال مرحباً، وعلّق على علامة السلام، وكم لفتت انتباه. ابتسمتُ له وشكرته، وعدتُ اقرأ في لوحة الإعلانات. كنتُ أشعر أنه يريد أن يتحدّث أكثر وبالفعل قام بذلك، بعد أقل من دقيقة من الوقت سألني من أين أنا، وتلك الأسئلة المعتادة التي دائماً ما يسألوننا إياها نحن الطلاب "الدوليين".
انتهى بي الأمر إلى الجلوس في الكرسي المقابل، والاستماع لأجوبته بعد أن أعدتُ عليه نفس الأسئلة التي سألني إياها. حكى لي أنه كان يعمل في الجيش الأمريكي، وأنه خدم في حرب فيتنام ثم العراق لسنتين قبل أن تنتهي فترة خدمته، وأنه تعرف على فتاة عراقية هناك وكم كانت جميلة جداً بالنسبة له، وأنها الآن تعيش في أمريكا، وأنه الآن يعمل كسائق حافلات المدرسة.

أظن أن حديثنا استمر لما يقارب الساعة، وكنت معظم الوقت استمع له، وهو يحاول أن يشرح نفسه لي. وسألني إذا ما كنتُ ارحب بفكرة اللقاء مرّة أخرى والتحدث مجدداً، وقلت له لا بأس بذلك، وأضاف، أريد أن أتعلم العربية أيضاً، هل يمكنك ذلك؟
رغم كبر سنه، 65 سنة تقريباً، قلت له نعم، أستطيع ذلك. وتبادلنا الـإيميلات وافترقنا.

كنتُ أفكر مليّا بعدها، في أنه كان يعمل في الجيش الأميريكي، فأنا ضد هذه المنظّمة التي تدّعي القضاء على الإرهاب، بينما هي الإرهاب بعينه، من ناحية أنّهم يتدّخلون في شؤون دول الشرق الأوسط كحماة للديمقراطية والعدل، ويدعون لتحرير الشعوب، كل ذلك لمصلحتهم عند تدهور أوضاع البلاد، يمكنهم أن يضعوا من يشاؤون في السلطة بأموالهم، وإلا فإنهم يتدخلون عسكرياً باسم الديمقراطية.

كنتُ قد سجلتُ في الترم السابق في كورس يدرس العلوم السياسية وبالتحديد موضوع العلاقات الدولية. هذا الكورس بقدر ما كان ثقيلاً، كان مفيداً جداً، فقد فتح عينيّ على كثير من الاشياء والسياسات الخارجية لأمريكا والحرب الباردة وكيف شكّلت العالم الذي نعيشه حاليا. وأدركت من خلاله سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي كان يفتخر بها المدرّس كثيراً، المصلحة. والمصلحة هي أول شيء يعلّمونه في العلوم السياسة، أن الدول تسعى لأمانها ومصلحتها قبل أي شيء.

الشيء الآخر الذي كنتُ أفكر فيه بعدما التقيتُ رايلي، هو تلك المرأة العراقية التي تحدث عنها، بدا لي -وهذا تحليلٌ فقط- أنه معجبٌ بها جداً، وربما أحبها أيضاً، لكنه لم يستطع تزوجها، فقد ذكر أنها تزوجت ولديها أولاد أيضا،  وذكر لي أنه غير متزوج لأنه خجولٌ جداً.
فكرتان هنا طرأتا عليّ، خشيتُ أنه يريدُ استرجاع حبه بالالتقاء معي، لأنه ذكر لي أكثر من مرة كم انا جميلة، مما أثار تحفّظي في التعامل معه. والقكرة الثانية، هي ثقافة الزواج في أمريكا والتي أساسها التواعد والحب، بحيث يبادر فيها الرجل إلى فتاة ما وطلب الخروج معها في موعد، ماذا لو كان شخصا خجولاً مثل رايلي؟ رغم أنه في الجيش وقد يكونُ سببا له في عدم الاتقاء بالنساء كثيراً، لكن خجله منعه من التعرف على أحد، والزواج. وقد فاته ذلك القطار حتما، فقط أصبح عجوزاً جداً.

التقيت مع رايلي مرتين بعد اللقاء الأول، انتبهت أنه يخاف جداً أن يقول شيئاً ولا يعجبني، أحيانا بعدما ينتهي من جملته يسرع في القول " لا تفهميني خطأ" وهو يمد يديه كالخائف. لا أعرف لماذا يخاف كثيراً، رغم أني ذكرت له أكثر من مرّة أن يقول كل شيء لديه، أنني لن أحكم عليه بشيء، ولكن يبدو أنه في قرارة نفسه يخاف أن أختفي، لأنني عندما أخبرته سأذهب للوطن صيفا صمت كثيراً، وعندما انتهى لقاؤنا تلك المرة عبّر لي أنه يريد أن نبقى على تواصلٍ للأبد. قلت له، لديك بريدي، راسلني وقتما تشاء. وفي قرارة نفسي، لم أكن أود ذلك، أشعر بالضيق كثيراً من عدد المرات التي قال لي فيها أنني جميلة، لا أحب أن يعاملني أحد بناءاً على مظهري، لدي عقل، وبه أفكار أريدُ أن أُعامل انطلاقاً منها، تماما كفلسفة الحجاب الذي أرتديه.
 وخلف ذلك، لا أؤمن بشيء يظلُّ للأبد، الأشياء إما أنها تتغير، أو تنتهي. وفي كل علاقاتي مع الناس، لا أجزم أنها تظلُّ للأبد، فعلت مرّة مسبقاً ولن أفعل ذلك مجدداً. بل أدعُ كلّ شيءٍ يحدث بعفوية، بانسيابية. بعض الأشياء عندما نخاف من حدوثها، تحدث، أنا لا أخاف أن أفقد أحداً أو أخسر صداقة أحد، لكن ما أحذره هو سوء الفهم، أو الحكم على الشخص وعلى أفكاره دون فهم النقطة التي ياتي منها.

مع رايلي، أظن أنه سيرحل إلى عيساه قبل أن يأتي الأبد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علّق لي ما يدور في ذهنك مهما كان،