سبتمبر 06، 2010

بؤس ٩

مرّت أيام، ألفتُ فيها وجود "كائنٍ" في محيطي، و كان حضوره دائماً ينقلني إلى طورٍ آخر من الحياة..
الطور الذي يجعلني أتحدث و أضحك و أبدي فيه ما أعتقد، يعني أن اتصل "اجتماعيا" ولو من خلال كائن واحد.

كثُرت زياراته، كنتُ في كل مرة يجيء فيها نقوم بعمل شيء ما، و كان يستمتع بذلك، فكان يكثر من زياراته.. لاتساع وقت الفراغ..

في إحدى المرات التي أنظف فيها المكان شئتُ أيضاً أن أحرك الأثاث، فهبّ لمساعدتي..
فتعب، و غفا..

حملته على كتفي، و طرقت باب منزلهم، فتحت والدته الباب..
كنتُ أنظر إليها بعنين منهكتين، و قلتُ لها: لقد غفا.. خذيه.

و كانت تنظر إليّ بنظراتٍ خجلة، متأسفة.. و هي تقول: يا إلهي!.. أنا آسفة جداً حتما أزعجكِ كثيراً!

ابتسمتُ لها ابتسامة خافتة.. و عدت.

في اليوم التالي، أو في الأسبوع التالي، لم يأتِ، و لم يطرق الباب و لم يتصل!
حتى إذا مرّوا خارجين.. لم أكن أسمع شيئاً..

كنتُ إذا رسمت، و أدرتُ الموسيقى، أسمع صوت ضحكاته، و لمّا ألتفت لا أجد أحداً،
و كنتُ إذا تابعت برامج التلفاز، كأني أسمعه يقلّد المذيعين و أسمع دعاباته التي دائما ما تجعلني أضحك!

لكني كنتُ أتوهم، كنتُ أفتقده بشدة، و أنا ما كنتُ الشخص الذي يفتقد أحداً، و لا يتعلق بأحد.


و كأنني أردته أن يجيء ولم أرده، كأني أردتُ الخلّو بنفسي قليلاً عنه، كأن غيابه كان في محله..
و كأنه أخذ حيّزاً عندي فلمّا غاب ترك لي فراغاً!

و لكني بقيت، بقيتُ أنتظر ابتسامته تفاجئني، و لكنه ما عاد.

لا!، بل عاد!
جاء في إحدى الليالي، يحمل صينية بسكويت، و كان قد أدنى نظره للأرض، و لم يرفع عينه حتى لاختلاس نظرة لشيء!

و قررتُ في تلك الليلة أن أذهب، و أعيد صوت ضحكته إلى المكان.

هناك تعليق واحد:

  1. مسار النصّ،
    شهيّ، وجيــــد.

    وأرتعشُ ذهنيًا في بُن النص الغامق،
    فأنا لا أحبُّ كلمة بؤس،
    بقدر ما أرى هُنا شيئًا من التتطلعِ، المزاجيّة الـ تُشبهكِ و.. الأمل!

    دمتِ عزيزتـــي..

    ردحذف

علّق لي ما يدور في ذهنك مهما كان،