سبتمبر 16، 2010

بؤس ١٠

و خرجتُ إليهم، دون أن أراجع خواطري، أو أتنفس بعمق، أو أهتم بمظهري حتى، خرجتُ إليهم كما أنا، كما أبدو من الداخل الذي لا يبدو من الخارج إلا معه.

طرقت الباب، و إذا به من يفتحه، وبدت على وجهه ملامح الذهول، وقف صامتاً ثم استدار و عاد إلى غرفته حالما لمحتني أمه أمام الباب.
أجلستني مجلساً حسناً و دخلتُ مباشرة إلى ما جئتُ لأجله، لأجل ذاك الصغير الذي ينصتُ إلي خلسة من وراء الباب، ..
لا أذكر أبداً ما قلت، أبداً أبداً، و لكنني أذكر أن قلبي من كان يتحدث، و أن صوتي بدا مختلفاً، و أن تعابيرهم بدأت تتغير، و فاجأتني أمه لما قالت:

- لم نفهم شيئاً، ماذا تقصدين؟!

فقلت:

- لماذا لم يعد ابنكم يزورني؟

ردّت:

- في الحقيقة.. شعرنا بأنه يُكثر من زياراته و يسبب لكِ الإزعاج، و انحرجنا من ذلك!

ثم قلت بعد وهلة بابتسامة خافتة:

- لا، دعوه يعود، أحبّ أن يزورني دائماً، ولا تقلقوا بشأني.. أنا لا أنزعج منه البتّة!

و سرت نحو الباب، قبل أن أدير المقبض.. التفتُّ له وهو خلف باب غرفته يختلس النظر، ابتسمتُ له .. كمن أزاح عن كاهله ثقلاً، أو استجاب لنداء ضميره و أراحه.. ثم خرجت!

كنتُ أشعر بأني أريد أن أستلقي على الأريكة بعدما أشرب كأساً من الماء البارد، كم بذل للتوّ جهداً عظيماً يحتاج للراحة،
و سمعتُ من خلفي وقع خطواتٍ سريعة، تركض، و عندما ألتّففت وجدته يحتضضني، يحتضن ساقاي بقوّة و هو يغمّض عينيه بقوّة.
فككته عني و ضممتهُ إليّ، و حملته إلى شقتي و أجلسته، كان يبكي وهو يقول: أنا أردت أن أجئ لكن أمي كانت تمنعني، و تقول بأنني أزعجكِ!

و كنتُ أبتسم له وهو يبكي، و أنظر إليه، و للوهلة الأولى، شعرت كم أحبّه، و كم كان شخصية مؤثرة في الشهور الأخيرة، شخصية لم يستطع أحدٌ أن يكونها أبداً!

ضممته و قبلته، و قلت له أن يهدأ، فبدأ يهدأ وهو يجفف دموعه داخلياً، و يهدأ أكثر، لحظة بعد لحظة..

و يغفو.. في أحضاني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علّق لي ما يدور في ذهنك مهما كان،