مارس 02، 2014

عن الزونينق آوت

عندما تكون مع أحد أو جماعة ما، والجميع يتحدثون عن موضوع معين وفجأة، يمسك ذهنك بنقطة ما ويسافر بك بعيدا عن واقعك، ويجرّد حواسّك من محيطك، وفجأة تسمع اسمك وتتوقف كل أفكارك والأكشنات التي بناها ذهنك من فكرة واحدة لوهلة  قصيرة جداً و تعود لواقعك، وتنتبه أن الجميع يحدّق بك وينتظر ردّك على السؤال الذي وُجّه لك وأنت غائب الذهن ولم تلتقطه ذاكرتك. تلك الأفكار الشاردة، هي ما يُدعى زونينق آوت، أو بالترجمة الحرفية.. خارج المنطقة.

الزونينق آوت هي حالة عصيان مدني فكري بحيث تتمرد بعض الأفكار وتُخرج الوعي "خارج منطقة" التركيز. ويبدو أنها من تأثير أجندة العقل اللاواعي الذي يهيمن على مركز العقيدة ويحاول جرّ الوعي إلى خيالات غير حقيقة لتفادي مرارة الواقع. ويتبيّن أن هنالك رغبات وأمنيات ناتجة من مركز الرّوح والذي يمدّ تلك الأفكار المتمرّدة بالطاقة.

"خارج المنطقة" هي منطقة موازية للعالم الواقعي ولكنها تحتوي على أفكار فوق الطبيعة الفيزيائية والتكنولوجية للعصر، والذي تفّوق بها العقل اللاواعي على نظيره الواعي وأدى به إلى الخروج عن السيطرة.

ويمكن النّظر لحالة الزونينق آوت من منظور آخر وهو منظور الحركة الإصلاحية والرغبة في الخروج عن المعتاد والروتيني، وتحسين الوضع الحالي. فالكثير من الأشخاص مثل (أ.ص) و (ع.م) يعبّرون أن حالة الزونينق آوت تحدث لهم عندما يعملون على شيء ممل. فالأفكار التي تأتيهم تحاول أن تصرفهم عن ملل تلك اللحظة بملء وعيهم خارج منطقة التركيز بأشياء أكثر إثارة ومتعة. فاللاوعي ذكي جداً، يعرف ما بنا ويحاول دائما تحسين شعورنا ناحية أمر ما مهما حاول وعينا منطقياً إقناعنا بانه مهم.

سينقر يذكر أن الزونينق آوت وأحلام اليقظة والتجول الفكري هم الشيء ذاته ولكنه يصنّف الأفكار أو الخيالات إلى ثلاثة أنواع، قد تكون أفكاراً سلمية متفائلة وهي التي تميل للمستقبل وتحقيق الأماني  كما يذكر (ع.م) أنه يتخيّل سيناريوهات يتمناها ويُصيغها بشكل بطوليّ. أو قد تكون أفكاراً متمرّدة متشائمة كما تصفها (ز.م) بحيث أنها تتخيل سيناريوهات موت أو حوادث سيارات أو أي شيء ينتهي بكارثة -لا سمح الله-، أو قد تكون أفكاراً متمردة عنيدة وهي التي تصرف الشخص عن متابعة أموره المهمة بحيث أنها كالذبابة لا تترك الشخص يركز، كما تذكر (أ.ص) فإنها لا تتمكن من التركيز على مذاكرتها بسبب خيالاتها العنيدة.


وهذه الأنواع الثلاثة الهاربة خارج المنطقة لها إيجابياتها ولها سلبياتها، فمن حيث السلبيات فإنها تصرف ذهن الشخص عما يجب إنجازه كما يذكر (ع.م)، بينما يرى (ر.م) أن الآلية الذهنية التلقائية في التبديل بين التركيز والزونينق آوت لتخفيف من حدة التوتر والقلق هو أمر يدهشه، فهذا المُحرّك اللاواعي يستطيع إعطاء الشخص راحة ذهنية لذيذة تلقائياً.  

وعن الإيجابيات يكمل (ر.م) اندهاشه في قدرة اللاواعي على خلق أفكار إبداعية غير مسبوقة ويعتبر هذا من الأمور التي يمكن الاستفادة منه في الفن أو العمل الإبداعي، وهنا تكمن قوّة الزونينق آوت بالنسبة لديه، استخدامها في الإبداع. 
ويقول (ع.م) أنه يشعر بالراحة عندما يدخل في حالة زونينق آوت لانها تزيد أفقه ومستوى تفكيره وتوافق (ز.م) على ذلك فهي تذكر أنه ينزل عليها الالهام من حيث لا تحتسب وأن أفكاراً غير اعتيادية تأتيها في حالة الزونينق آوت مما يوّسع ذلك مداركها الفكرية والإبداعية. 

وإيجيابيات أخرى للزونينيق آوت هي إمكانية استرجاع مواقف ماضية وإعادة فهمها بمعلومات حديثة، أو تذكّر مواقف جميلة وسعيدة ماضية للشخص مما يحسّن مزاجه كما يقول (م.م)، أو التخطيط لأمر ما في المستقبل، أو الاستلهام لمشاريع مستقبلية كما يذكر (ع.ع).

ومن جانب آخر، هناك دراسة أجريت عبر موقع (تتبّع سعادتك)، يقوم الشخص بالتسجيل فيه وتعبئة البيانات الشخصية، ومن ثم تصل للمشترك رسائل باستبيان في أوقات متفرقة من اليوم تسأله عن شعوره اللّحظي، وماذا يفعل وهل هو وحيد، وأسئلة أخرى. وبعد الانتهاء من الاستبيان يقوم الموقع بعرض المعلومات في رسم بياني مقارنا مدى سعادته بالأفعال المختلفة التي كان يقوم بها في أوقات متفرقة من يومه وحياته. وبعد تجميع ٦٥٠,٠٠٠ استبيان استخدم في الدراسة اكتشف الباحثون أن الزونينق آوت يسبب عدم السعادة أكثر مما يسبب السعادة. فعكسما نظن أن الزونينق آوت يحدث بسبب عدم رغبتنا في عيش الواقع فيقوم اللاواعي بصرف الوعي عن التركيز إلى مكان أجمل وبذلك إسعادنا وتحسين مزاجنا، تبيّن أن الأشخاص الذي يركزون على ما يفعلونه يشعرون بالسعادة أكثر من أؤلئك الذين في حالة الزونينيق آوت.

الدراسة لم تذكر الأسباب التي تؤدي لعدم السعادة أثناء الزونينق آوت لكن يمكن القول أن الخيبة التي تنتج بعد العودة من الزونينق آوت وإدراك مرور الوقت دون إنجاز أي عمل هو سبب لعدم السعادة، فعندما يأتي الأمر للإنجاز فالتركيز مطلوب والزونينق آوت غير مُحبّذ. أو ربّما التفكير في مكان أجمل أو وضع أفضل من الواقع يجعل الشخص ساخطاً على وضعه الحالي، وهذا يؤدي لعدم السعادة أيضاً.

من هنا يمكن اقتراح بعض الحلول للزونينق آوت، فكما يتّضح أنها تحدث نتيجة تمرّد الأفكار على الوعي، وهي آتية أصلا من العقل اللاواعي، يمكن من خلال الزونينق آوت تتبع رغبات وأمنيات الشخص. وعبر تحديد تلك الرغبات، أو الأفكار الإصلاحية يمكن للشخص أن يبدأ خطة لتطبيق هذه الإصلاحات. وعلى سبيل المثال، في فيلم The Secret Life of Walter Mitty البطل يمر بحالة زونينق آوت مستمرة يتخيّل فيها أنه البطل الذي يحظى بالفتاة الجميلة، وتخيّلاته البطولية نابعة من كونه شخص منطوي وأنه لم يفعل شيئاً يستحق الذكر كما يذكر في الفيلم، ويحدث أنه يفقد صورة آخر غلاف المجلة التي يعمل فيها، فيقوم بمغامرة البحث عن المصّور المتنقل لكي يسأله عن الصورة المفقودة، وفي وقت ما في نهاية الفيلم بينما هو في مغامراته تسأله الفتاة التي يحلم بها عن ما إذا كان يمرّ بالزونينق آوت مؤخرا، فيخبرها أنه لم يعد يمرّ بها مثل السابق.
الخلاصة هنا أنه عندما قام بالمغامرات الزّونية لم يعد يسافر بالزونينق آوت مثل قبل، فتحويل الأفكار والخيالات الزونيّة إلى واقع يخفف من كثرة الزونينق آوت، لأن الشخص يعيش الزونينق آوت واقعاً، ولا يحتاج إلى خيالاته كي تشعره بالإثارة.

الحل الآخر هو النظر نحو الزونينق آوت على أنه إبداع وشيء إيجابي، ومخاطبة العقل اللاواعي والاتفاق معه على أن للزونينق آوت وقت، وللتركيز وقت، وأن الزونينق آوت ليس عدوّك اللدود، بل هي حالة طبيعية تحدث لكل البشر، وقد يتطلب ذلك وقتا لترويض العقل اللاواعي فهو ذكي ويعرف دوافع الشخص وكل شيء عنه. ومن الاصل، حالة الزونينق آوت دليل على خيال الشخص الواسع، و مُتتبِّع ممتاز لرغبات ودوافع الإنسان مما يساعد على إدراك الشخص لنفسه وجعلها نقطة تحوّل في حياته.


هناك دراسة أخرى قام فيها الباحثون عبر إنشاء عدة تجارب لدراسة تأثير التلفزيون على عقول الأطفال من الناحية البيولوجية، وتأثيره على الانتباه وقدرة الطفل على التعلم. الدراسة أثبتت أن التسلسل السريع للمقاطع التلفزيونية يؤدي إلى ارتفاع تشتت الذهن عند الأطفال، ويزداد التشتت عند الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون قبل عمر الثلاث سنوات أكثر من الأطفال الذي يشاهدون بعد عمر ثلاث سنوات. وهذه الدراسة تدل على أن الجيل الجديد من الأطفال الذي يتعرّض لكميّة كبيرة من الإعلانات منذ نعومة أظافرهم سوف يعاني بنسبة عالية من التشتت الذهني، وربّما تزداد حالات متلازمة تشتت الانتباه لهذا السبب. والخطر لا يقتصر على الأطفال فقط، فالكبار معرّضون لشتت الانتباه ولكن بنسبّة أقل بكثير من الأطفال.

في النهاية، الزونينق آوت حالة طبيعية يمرّ بها الإنسان، لها إيجيابيتها ولها سلبياتها، ويمكن الاستفادة من الزونينق آوت عبر فهم رغباتنا وأمانينا ومشاعرنا أيضاً، وعند تحويلها لواقع أو فكرة ملموسة فإن ذلك أكثر ما يمكن الاستفادة منه. فوجود أفكار متمرّدة تشغل الشخص عن المهم قد يدل على وجود عدم رضا، وازدياد التشتت قد يدل على أمور أخرى. لكن الإسراف في الزونينق آوت دائماً ليس من صالح الإنسان، ولا الاستغناء عنه، فهو مصدر للإبداع والتطوير.


:)

هناك 7 تعليقات:

  1. من المستحسن لهذا الموضوع أن يتعدى هذه المدونة ليطّلعَ عليه قُراء أكثر.

    ردحذف
  2. مجلة، جريدة أو أي جهة لديها نشرة إلكترونية تتبنى نشره.

    ردحذف
  3. المعلومات مركزة ومفيدة، تستحق ذلك.
    نحن نحكم على شارد الذهن بأنه شخصٌ مهموم لديه ما يشغل تفكيره ويقلل تركيزه فيجب عليه التخلص من المسبب أيّا كان. لكن يتضح أن هناك تقسيمات و أسباب و فوائد ثم سلبيات.

    ردحذف
    الردود
    1. D:
      شكراً، هل تقترح استبدال الزونينيق آوت بالشرود الذهني أو أحلام اليقظة أم إبقائه كما هو؟

      حذف
  4. لا، مصطلح الزوننق آوت رنان أكثر سيجذب القارئ أكثر من "الشرود الذهني" أو "أحلام اليقظة"، لا ضير أن يبقى مُعرّبا فالناس يحبون تعلم اللغة الإنجليزية D:

    ردحذف

علّق لي ما يدور في ذهنك مهما كان،