فبراير 01، 2015

قبل أسبوعين التقيت بهنري. كلانا نحضر كورس الفيزياء. كنتُ أحاول حل بعض المسائل في معمل الفيزياء وأتى هو. سألني عن المسألة التي أعمل عليها، وهتف بحماسة: هذه نفس المسألة التي عقّدتني!
سعدتُ جداً لأن أحداً أتى ليشاركني حل المسألات الصعبة والتي تتطلب رأسين وأكثر يعملان معاً كلٌ يُضيفُ معلوماته وطريقته لحل المسألة الأخير. هكذا يجب أن نعيش، هكذا يجب أن نعمل على الحياة، وهكذا نفعل، لكن في نهاية المطاف كل شخص يعود لحاله في نهاية اليوم، سواءً كان جُزءاً من عائلة كبيرة، أو يعيشُ لوحده، أو يسهر في المكتبة طيلة الأسبوع.
في لقاءنا الأول عرفت عن هنري بعض الأشياء، عرفت أننا حضرنا الكورس الفيزيائي المتقدّم ذاته الترم الماضي، ولذلك هذا الكورس مختلف لكلا خلفيتنا المعلوماتية من الكورس الآخر.
عرفت أنه يعمل في المكتبة، ولذلك كان وجهه مألوفاً طيلة الفترة التي لم أتعرف فيه عليها. وعرفت أنه يعمل من بعد منتصف الليل كي لا يضطر للعمل في الإجازة الأسبوعية ويتمكن من زيارة حبيبته في المدينة التي تبعد ساعة عنّا.
هذه المعلومة الأخيرة فسرت لي أخيراً لما عيناهُ تميلان لبعض الحُمرة حول عينيه خضراوتين.
في المرتين التاليتين التي التقيته فيها لنكمل حل المسائل، كان بشوشاً ومتحمساً دائماً، أحببت ذلك جداً، كنت أشعر بأني كنتُ مثله العام الماضي. مليئة بالحيوية والبهجة، وأبعثها لكل من حولي بابتسامة وسؤالٍ عن أحوالهم، وكذلك عناق إن كنت أستطيع. كنت أرى الحياة جميلة جداً..
عندما يضحك هنري، يضحك عالياً، وضحكته تملأ المكان، أشعر بأنها ضحكة الطفل بداخله الذي لا يكترث لعمره ومدى احترافيته، يضحك بحريّة وعفوية وينشرها كالعطر.
اتذكر ذاك اليوم عندما خرجت من المعمل وقد استلمتُ درجة اختباري، وكنتُ قد توقفت لأضعها في حقيبتي في الممر، ورآني وهو متجّه لدوره في المعمل. هتف وهو يسير ناحيتي: مرحباً زهراء!
التفت له وابتسمت: أهلااا هنري
تحدثنا بسرعة ودخل للمعمل وهتف مجدداً: إلى اللقاء زهراء!
أصبحت ألتقي قليلاً بالآخرين، ولم أسمع اسمي منذ فترة، دائماً تكون صيغة التحدث إلي هي أنتِ، أو نحن.
سماع اسمي هكذا مجدداً أعاد لي بعض السعادة، أن استعيد هويتي التي فقدت جزءاً منها هذا العام أثناء غوصي في مسؤولياتي الإدارية والدراسية. هاتين الاثنتين كبّلتا روحي عن الطيران كالسابق.
في آخر مرةٍ رأيت هنري وسالته كيف حاله: أجابني بأنه بأفضل حال.
وأبديت له تشجيعي لروحه. توقف لوهلة وسألني: وأنتِ كيف حالك؟ لم أسألك!
أنا لم أظن أن حالي قد يهّم أحداً كهنري، زميل دراسة لا غير.. وسؤاله فاجأني. لا أتذكر بِم أجبته، لكنني أتمنى أني لم أحبطه بجوابي.. ولم أسرّب لبهجته الجميلة سوداويتي.

الحياة في وجه هنري جميلة وسهلة رغم صعوباتها، كثيرٌ ما يمكن أن نتعلمه ونتبنّاه من الناس حولنا كهنري.. لفتاتٌ بسيطة توفي بالغرض لأن تؤثر فينا لنبدأ في ملاحظة الفرق الذي سقط سهواً في معادلة أن نكون. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علّق لي ما يدور في ذهنك مهما كان،